فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}.
قال ابن عباس: فاستبكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حُفّلا بطانًا فقال لهما: إن لكما اليوم لشأنًا فأخبرتاه بما صنع موسى فأمر إحداهما أن تدعوه فجاءته تمشي على استحياء، وفيه قولان:
أحدهما: أنه استتارها بكم درعها، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الثاني: أنه بعدها من النداء، قاله الحسن.
وفي سبب استحيائها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير عناء.
الثاني: لأنها كانت رسولة أبيها.
الثالث: ما قاله عمر لأنها ليست بسلفع من النساء خَرَّاجة ولاّجة.
{قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ} وفي أبيها قولان:
أحدهما: أنه شعيب النبي عليه السلام.
الثاني: أنه يثرون ابن أخي شعيب، قاله أبو عبيدة والكلبي.
وكان اسم التي دعت موسى وتزوجها: صفوريا. واسم الأخرى فيه قولان:
إحدهما: ليا، قاله ابن اسحاق.
الثاني: شرفا، قاله ابن جرير.
{لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} أي ليكافئك على ما سقيت لنا فمشت أمامه فوصف الريح عجيزتها فقال لها: امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت.
{فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} أي أخبره بخبره مع آل فرعون.
{قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قال ابن عباس: يعني أنه ليس لفرعون وقومه عليّ سلطان ولسنا في مملكته.
قوله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَآ أَبَتِ أَسْتَأْجِرْهُ} والقائلة هي التي دعته وهي الصغرى يعني استأجره لرعي الغنم.
{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} فيه قولان:
أحدهما: القوي فيما ولي، الأمين فيما استودع، قاله ابن عباس.
الثاني: القوي في بدنه، الأمين في عفافه. وروي أن أباها لما قالت له ذلك دخلته الغيرة فقال لها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته فأنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ولا يكشفها دون عشرة، وأما أمانته فإنه خلفني خلف ظهره حين مشى.
قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} فروى عبد الرحمن بن زيد أن موسى قال: فأيهما تريد أن تنكحني؟ قال: التي دعتك، قال: لا إلا أن تكون تريد ما دخل في نفسك عليها فقال: هي عندي كذلك فزوجه وكانت الصغيرة واسمها صفوريا.
{عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حَجَجٍ} يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم منها، والعمل رعي الغنم.
واختلف في هذه الثماني حجج على قولين:
أحدهما: أنها صداق المنكوحة.
الثاني: أنها شرط الأب في إنكاحها إياه وليس بصداق.
{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًَا فَمِنْ عِنْدِكَ} قال ابن عباس كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عِدة منه فقضى الله عنه عِدته فأتمها عشرًا.
{وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} فيه قولان:
أحدهما: من الصالحين في حسن الصحبة. قاله ابن إسحاق.
الثاني: فيما وعده به.
حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شبه أمها فأوحى الله إلىموسى أن ألق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن. وقال غير يحيى: بل جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بُلْقًا.
قوله تعالى: {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ} قال السدي: لا سبيل عليّ.
{وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قول السدي: شهيد.
الثاني: حفيظ، قاله قتادة.
الثالث: رقيب، قاله ابن شجرة.
فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ وَطُعْمَةِ بَطْنِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى؟ فَقَالَ أَبَرُّهُمَا وَأَوفَاهُمَا». اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}.
في هذا الموضع اختصار يدل عليه الظاهر قدره ابن إسحاق فذهبتا إلى أبيهما سريعتين وكانت عادتهما الإبطاء في السقي فحدثتاه بما كان من أمر الرجل الذي سقى لهما فأمر الكبرى من بنتيه، وقيل الصغرى، أن تدعوه له فجاءت على ما في هذه الآية، وروي أن اسم إحداهما ليا والأخرى شرفا، وروي أن اسم زوجة موسى منهما صفورة، وقيل إن اسمها صوريا، وقال وهب: زوجه الكبرى، وروي عن النبي عليه السلام أنه زوجه الصغرى، وذكره الثعلبي ومكي من طريق أبي ذر، وقال النقاش: ويقال كانتا توأمتين، وولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار، وقوله: {تمشي} حال من {إحداهما} وقوله: {على استحياء} أي خفرة قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عمرو بن ميمون: لم تكن سلفعًا من النساء ولاجة خراجة، واختلف الناس في الرجل الداعي لموسى عليه السلام من هو، فقال الجمهور هو شعيب عليه السلام وهما ابنتاه، وقال الحسن: هو ابن أخي شعيب واسمه ثروان، وقال أبو عبيدة: يثرون، وقيل هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب، وقيل إن المرأتين إنما كان مرسلهما عمهما وهو كان صاحب الغنم وهو المزوج ولكن عبر عن العم بالأب في جميع الأمر إذ هو بمثابته، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة أجاب فقام يتبعها إلى أبيها فهبت ريح ضمت قميصها إلى بدنها فوصفت عجيزتها فتحرج موسى من النظر إليها فقال لها ارجعي خلفي وأرشديني الطريق ففهمت عنه فذلك سبب وصفها له بالأمانة قاله ابن عباس، فوصل موسى عليه السلام إلى داعيه فقص عليه أمره من أوله. إلى آخره فأنسه بقوله: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون.
فلما فرغ كلامهما قالت الابنة التي ذهبت عنه {يا أبت استأجره} الآية، فما وصفته بالقوة والأمانة قال لها أبوها ومن أين عرفت هذا منه؟ فقالت: أما قوته ففي رفع الصخرة وأما أمانته ففي تحرجه من النظر إليَّ وقت هبوب الريح، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم، فقال له عند ذلك الأب {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيَّ} قال ابن عباس فزوجه التي دعته، وتأجر، معناه تثيب وقال مكي في هذه الآية خصائص في النكاح منها أنه لم يعين الزوجة ولا حد أول الأمر وجعل المهر إجارة ودخل ولم ينقد شيئًا.
قال القاضي أبو محمد: أما التعيين فيشبه أنه كان في أثناء حال المراوضة وإنما عرض الأمر مجملًا وعين بعذ ذلك، وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه فإما رسماه، وإلا فهو من وقت العقد وإما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهذا أمر قد قرره شرعنا وجرى به في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن، وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك خاص، وبعضهم إلى أنه منسوخ، ولم يجوز مالك رحمه الله النكاح بالإجارة، وجوزها ابن حبيب وغيره إذا كانت الأجرة تصل إلى الزوجة قبل ومن لفظ شعيب عليه السلام حسن في لفظ العقود في النكاح، أنكحه إياها أكثر من أنكحها إياه هذا معترض، وجعل شعيب الثمانية الأعوام شرطًا ووكل العامين إلى المروءة.
{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ}.
لما فرغ كلام شعيب قرره موسى عليه السلام وكرر معناه على جهة التوثق في أن الشرط إنما وقع في ثمان حجج، و{أيما} استفهام نصبه ب {قضيت} وما صلة للتأكيد، وقرأ الحسن {أيْما} بسكون الياء، وقرأ ابن مسعود: {أي الأجلين ما قضيت} وقرأ الجمهور {فلا عُدوان} بضم العين وقرأ أبو حيوة {فلا عِدوان} بكسر العين، والمعنى لا تبعة علي من قول ولا فعل، والوكيل الشاهد القائم بالأمر، قال ابن زيد: ولما كمل هذا النكاح بينهما أمر شعيب موسى أن يسير إلى بيت له فيه عصيّ وفيه هذا العصا، فروي أن العصا وثبت إلى موسى فأخذها وكانت عصا آدم وكانت من عير ورقة الريحان، فروي أن شعيبًا أمره بردها ففعل وذهب يأخذ غيرها، فوثبت إليه، وفعل ذلك ثالثة، فلما رأى شعيب ذلك علم أنه يرشح للنبوءة فتركها له، وقيل إنما تركها له لأنه أمر موسى بتركها، فأبى موسى ذلك فقال له شعيب: نمد إليها جميعًا فمن طاوعته فهي له، فمد إليها شعيب يده فثقلت، ومد إليها موسى فخفت ووثبت إليه، فعلما أن هذا من الترشيح، وقال عكرمة: إن عصا موسى إنما دفعها إليه جبريل ليلًا عند توجهه إلى مدين.
(1). اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{فجاءته إِحداهما}.
المعنى: فلمّا شربتْ غنمَهُما رَجَعَتا إِلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى، فبعث إِحداهما تدعو موسى.
وفيها قولان:
أحدهما: الصغرى.
والثاني: الكبرى.
فجاءته {تمشي على استحياء} قد سترت وجهها بِكُمِّ دِرْعها.
وفي سبب استحيائها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان من صفتها الحياء، فهي تمشي مشي مَن لم يعتد الخروج والدخول.
والثاني: لأنها دعته لتكافئَه، وكان الأجمل عندها أن تدعوَه من غير مكافأة.
والثالث: لأنها رسول أبيها.
قوله تعالى: {ليَجْزِيَكَ أجر ما سَقَيْتَ لنا} قال المفسرون: لمَّا سمع موسى هذا القول كرهه وأراد أن لا يتبعها، فلم يجد بُدًّا للجَهْد الذي به من اتِّباعها، فتَبِعها، فكانت الريح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها، فناداها: يا أَمَة الله، كوني خلفي ودُلِّيني الطريق، {فلما جاءه} أي: جاء موسى شعيبًا، {وقَصَّ عليه القَصَصَ} أي: أخبره بأمره مِنْ حين وُلد والسبب الذي أخرجه من أرضه {قال لا تَخَفْ نجوتَ مِنَ القوم الظَّالِمِينَ} أي: لا سُلطان لفرعون بأرضنا ولسنا في مملكته.
{قالت إِحداهما} وهي الكبرى: {يا أبت استأجِرْهُ} أي: اتَّخِذه أجيرًا {إِنَّ خير من استأجرتَ القويُّ الأمينُ} أي: خير من استعملتَ على عملكَ مَنْ قَوِيَ على عملك وأدَّى الأمانة؛ وإِنَّما سمَّتْه قويًّا، لرفعه الحجر عن رأس البئر، وقيل: لأنه استقى بدلو لا يُقِلُّها إِلا العدد الكثير من الرجال، وسمَّته أمينًا، لأنه امرها أن تمشيَ خلفه.
وقال السدي: قال لها شعيب: قد رأيتِ قوَّته، فما يُدريكِ بأمانته؟ فحدَّثَتْه.
قال المفسرون: فرغب فيه شعيب، فقال له: {إِنِّي أُريدُ أنْ أُنْكِحَكَ} أي: أُزوِّجِك {إِحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأجُرَني ثمانيَ حِجَج} قال الفراء: تأجُرني وتأجِرني، بضم الجيم وكسرها، لغتان.
قال الزجاج: والمعنى: تكون أجيرًا لي ثماني سنين {فإن أتمتَ عَشْرًا فمِنْ عِنْدِكَ} أي: فذلك تفضل منكَ، وليس بواجب عليك.
قوله تعالى: {وما أُريد أن أشُقَّ عليكَ} أي: في العَشْر {ستجدني إِن شاء اللّهُ من الصالِحِينَ} أي: في حُسْن الصُّحبة والوفاء بما قلت.
{قال} له موسى {ذلكَ بيني وبَيْنَكَ} أي: ذلك الذي وصفتَ وشرطتَ عليَّ فلكَ، وما شرطتَ لي مِنْ تزويج إِحداهما فلي، فالأمر كذلك بيننا.
وتم الكلام هاهنا.
ثم قال: {أيَّما الأجَلَين} يعني: الثمانيَ والعشر.
قال أبو عبيدة ما زائدة.
قوله تعالى: {قضيتُ} أي: أتممتُ {فلا عُدْوانَ عَلَيَّ} أي: لا سبيل عَلَيَّ؛ والمعنى: لا تعتد عليَّ بأن تُلْزِمني أكثر منه {واللّهُ على ما نقولُ وكيل} قال الزجاج: أي: واللّهُ شاهِدُنا على ما عقدَ بعضُنا على بعض.
واختلف العلماء في هذا الرجل الذي استأجر موسى على أربعة أقوال:
أحدها: أنه شُعيب نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا أكثر [أهل] التفسير، وفيه أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليه، وبه قال وهب، ومقاتل.
والثاني: أنه صاحب مَدْيَن، واسمه يثرى، قاله ابن عباس.
والثالث: رجل من قوم شعيب، قاله الحسن.
والرابع: أنه يثرون ابن أخي شعيب، رواه عمرو بن مرَّة عن أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود، وبه قال ابن السائب.
واختلفوا في التي تزوَّجها موسى من الابنتين على قولين.
أحدهما: الصغرى، روي عن ابن عباس.
والثاني: الكبرى، قاله مقاتل.
وفي اسم التي تزوجها ثلاثة أقوال:
أحدها: صفوريا، حكاه أبو عمران الجوني.
والثاني: صفورة، قاله شعيب الجبائي.
والثالث: صبورا، قاله مقاتل. اهـ.